تغريبة سكان غزة.. الاتجاه جنوبا في رحلة «الدمار والدم»

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

في ظل استمرار الحرب في قطاع غزة ومع دخولها شهرها الثاني، تستمر رحلة النزوح لمئات العائلات الفلسطينيين الذين يسعون للبحث عن مأوى آمن، فيما امتدت هذه الرحلة المحفوفة بالخطر من شمال القطاع إلى جنوبه، عبر النازحون شارع صلاح الدين سيرًا على الأقدام، بعضهم لجؤا إلى العربات البسيطة المجرورة بواسطة الدواب، بينما لجأ آخرون إلى السيارات التي ما زالت تحاول التحرك على الطرقات المكتظة بالناس، وسط الدبابات الإسرائيلية والجثث المتحللة التي تعتري الطرقات مما يفاقم من معاناتهم.

وخلال الأيام الماضية وحتى اليوم، اضطر المئات من سكان غزة إلى الاتجاه جنوبًا في رحلة نزوح قاسية، حيث انطلق الرجال والنساء والأطفال والمرضى وكبار السن في رحلة خطرة ووعرة خلال نزوحهم إلى جنوب القطاع، فضلًا عن نزوح الفلسطينيين المرضى الذين أجبروا على الفرار من مستشفيات شمال القطاع بسبب محاصرة جيش الاحتلال للمناطق المحيطة بالمستشفيات، ليجدوا أنفسهم بلا مأوى، ولا دواء، ولا غذاء، يستلقون على جوانب الطرقات يواجهون الجوع والبرد بدون أدنى مقومات الحياة.

فمعظم سكان شمال القطاع، الذين فقدوا منازلهم جراء الغارات الإسرائيلية ونزحوا إلى جنوبه، شهدوا تفاقم الوضع في غزة خلال الشهر الماضي خاصة مع توغل القوات البرية الإسرائيلية في المنطقة يوم 27 أكتوبر المنصرم، ويؤكدون على أنه لم يعد هناك مأكل ومشرب في شمال القطاع، وأن المعاناة أصبحت لا تحتمل لمن يرغب في البقاء في هذه المنطقة، تاركين كل شيء وراءهم من ممتلكات ومنازل وأمتعة دون معرفة وجهتهم المستقبلية، يطرحون أسئلة لأنفسهم لا يعرفون الإجابة، هل سيمكثون عند عائلة في الجنوب أو يتوجهون إلى المستشفيات المكتظة بالعائلات الفلسطينية أو حتى البقاء في خيمة في العراء؟؟.

وفي سياق رحلة النزوح إلى جنوب قطاع غزة، يعرب النازحون عن شعورهم بالخوف الشديد هم وأطفالهم خلال هذه الرحلة الطويلة، وتشير أميرة السكني، واحدة من النازحين، إلى رؤيتها لجثث وأشلاء شهداء خلال الطريق الذي يودي للجنوب، وقالت أميرة، "إننا لا نريد الحرب، نريد هدنة، نريد السلام"، حسبما أفادت "بي بي سي" الإخبارية.

الهلال الأحمر الفلسطيني: رحلة نزوح الفلسطينيين خطيرة على المرضى

وفي ذات السياق، أكد مدير إعلام الهلال الأحمر الفلسطيني، رائد النمس، على أن الهجمات الإسرائيلية المستمرة على مناطق ومستشفيات غزة أدت إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية بشكل كبير وشلّ المنظومة الصحية، كما أشار إلى عجز الطواقم الطبية عن تقديم خدماتها للمرضى والجرحى في ظل هذه الأوضاع الكارثية الراهنة.

وأوضح النمس، حسبما أفادت قناة "القاهرة" الإخبارية، أن الجرحى والمرضى في مستشفيات غزة يعانون من الموت البطيء وسط غياب حد أدنى من الرعاية الصحية، بسبب نفاد الوقود والمستلزمات الطبية والإغاثية.

وأشار  المسئول بالهلال الأحمر الفلسطيني، إلى خروج 25 مستشفى من أصل 35 عن الخدمة في قطاع غزة بسبب نقص الوقود والمستلزمات الطبية والأدوية وانقطاع الكهرباء، جراء استمرار العدوان الإسرائيلي للشهر الثاني.

وحذر رائد، من خطر موجة النزوح الجماعية لأهالي شمال غزة إلى جنوب القطاع، مع التأكيد على أن رحلة النزوح تشكل مخاطر كبيرة، خاصة للمرضى وكبار السن والأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة، وقال إن "النازحين يواجهون تحديات كبيرة خلال السير لمسافات طويلة في ظروف صعبة، مع انتظارهم لفترات طويلة تحت التهديد والخوف من الاعتقال أو القصف الإسرائيلي العشوائي".

وأشار النمس، إلى الصعوبات التي يواجهها المرضى والمصابين عند إخلاء مستشفيات غزة، وذلك في ظل عدم وجود ممرات آمنة للخروج، وانقطاع الاتصال والتنسيق مع المنظمات الإنسانية الدولية، كما دعا إلى التدخل السريع لتأمين ممرات آمنة وتوفير الاحتياجات الضرورية لنقل النازحين إلى جنوب القطاع.

من 1948.. «النكبة» جُرحًا عميقًا في قلوب الفلسطينيين

فالنازحون في غزة يعيشون في حالة من الخوف والقلق، يخشون حدوث "نكبة" جديدة تشابه "كارثة" التهجير الجماعي للفلسطينيين بعد قيام إسرائيل عام 1948، فهذه النكبة محفورة في ذاكرتهم، تعبر عن مأساة تشريد الشعب الفلسطيني خارج ديارهم في تلك الفترة.

وتتجلى الصورة الأولى بألوان الأبيض والأسود، مع إشارة إلى أيام "النكبة"، حيث تم طرد الفلسطينيين من أراضيهم مع قيام إسرائيل عام 1948، وتعيد هذه الصورة إلى الأذهان معاناة اللاجئين والمجازر التي رافقت هذا النزوح.

أما الصورة الثانية، فتعكس نفس الحكاية بألوان حديثة، حيث طُلب من سكان شمال غزة النزوح إلى جنوب القطاع بسبب التهديد بتشديد القصف، فالشبه بين الصورتين يظهر بشكل واضح، مما يجسد تكرار التاريخ وتكرار معاناة الفلسطينيين.

وبعد 75 عامًا، تواصل إسرائيل إجراءاتها التي تشبه تلك الفترة، والفلسطينيون يستمرون في النزوح من شمال قطاع غزة إلى جنوبه، يسيرون سيرًا على الأقدام أو يستخدمون عربات يجرها الدواب، في وجه التحديات والقصف الجوي المستمر.